"انتظرت ٩ سنوات، ولكن في النهاية يتواجد ابني معي في المنزل وليس في دار الأيتام". – والد سامي.
سامي طفل أردني الجنسية يبلغ من العمر ٩ سنوات تم وضعه في دار الأيتام لكونه ولد خارج إطار الزواج. على الرغم من محاولات والد سامي العديدة لاستعادته إلا أنه لم يتمكن من اتباع الإجراءات القانونية المعقدة، وبالتالي استسلم على مقابلة سامي من خلال الزيارات المتاحة لدار الأيتام. بعد تزوجيها في سن مبكرة تعرضت لينا البالغة من العمر ١٧ عاماً للإيذاء الجسدي والنفسي من قبل زوجها، الأمر الذي وصل إلى حبسها في غرفتها لأيام ومنعها من الطعام والماء. في إربد، لم يحصل خالد البالغ من العمر ١٧ عاماً على شهادة ميلاد وبالتالي لم يتمكن من الالتحاق بالتعليم أو الحصول على الخدمات الصحية أو وظيفة دائمة. في الزرقاء، محمود وعمر توأمان يبلغان ١٤ عاماً تم وضعهم في مركز تربية وتأهيل الأحداث بتهمة التحرش الجنسي على الرغم من اعتقادهم ببراءتهم واتهامهم زوراً إلا أنهم على استعداد للاعتراف بالذنب. وفي مادبا، تم القبض على أحمد البالغ ١٧ عاماً بتهمة أن التزامه الديني قد يقود إلى سلوكيات إرهابية خطيرة، وعلى الرغم من أن أحمد لا ينتمي إلى أي جماعية إرهابية إلا أنه محتجز منذ شهرين في مركز احتجاز للبالغين لغايات استجوابه ودون تواجد الشخص المسؤول عن رعايته.
“من خلال أنشطة التوعية التي نستهدف بها الأطفال، نسعى إلى بناء جيل مدرك لحقوقه وقادر على المطالبة بها.” – ملك علي، قائد فريق مديرية التوعية
في كافة أنحاء المملكة الأردنية، يتصادم الأطفال من مختلف الجنسيات مع نظام العدالة كل يوم كمتهمين وشهود وأطراف في النزاعات وضحايا، وعلى الرغم من ان نظام العدالة في الأردن يسمح للأحداث بالتواصل مع محامٍ، إلا أن التطبيق على أرض الواقع لا يتم الاستعانة بمحامٍ إلا في مرحلة المحاكمة دون الأخذ بالاعتبار مرحلة التحقيق الأولي. تعد مرحلة ما قبل المحاكمة من أهم مراحل رحلة الحدث في نظام العدالة حيث أنها نقطة الاتصال الأول للطفل مع النظام. بالإضافة إلى ذلك فإن نظام العدالة يفتقر إلى وجود تنظيم واضح لحق الطفل في الحصول على مساعدة قانونية إذا كانت القضية غير جنائية. إن الانخراط في نظام العدالة كما هي تجربة صعبة ومعقدة لكثير من البالغين، فإنها تجربة مؤلمة للأطفال والمراهقين حيث يعتمد مستقبلهم وتطورهم بشكل كبير على تجاربهم وحالتهم الذهنية، وبالتالي تؤثر الصدمات التي يمر بها الأطفال وبشكل محتمل على حياتهم في المستقبل. توفر المساعدة القانونية من خلال مرافقة الطفل منذ البداية رحلة قانونية آمنة داخل نظام العدالة، قادرة على إعادة كتابة مستقبل وتحويل قصة مأساوية إلى قصة مفعمة بالأمل.
خلال الفترة ٢٠١٨ –٢٠٢٠ ساهم مركز العدل في تشكيل مستقبل أكثر من ١٧٠٠ أسرة من خلال توفير خدمات قانونية حول قضايا الأحوال الشخصية والأسرة والتي توثر وبشكل مباشر على الأطفال، كقضايا النزاع على حضانة الأطفال، والتوثيقات كإصدار شهادة الميلاد وإثبات النسب وغيرها.
بالإضافة إلى ذلك، فقد ساعد محامو مركز العدل المختصون بعدالة الأحداث أكثر من ٧٠٠ طفل متورط في قضايا جنائية، حيث يساهم التدخل المبكر للمساعدة القانونية في رحلة الحدث عبر نظام العدالة في تحديد الفترة الزمنية التي يقضيها الطفل في الاحتجاز وتعزيز إعادة اندماجه وبشكل سريع في المجتمع. كل ما سبق بالإضافة إلى توفير التوعية القانونية يساعد وبشكل مباشر على مكافحة العود الجرمي والذي تزيد احتماليته كل ما بقي الطفل بعيداً أكثر عن المجتمع.
حيث أن سن المسؤولية الجزائية في الأردن ١٢ عاماً، تعد التوعية القانونية للفئات العمرية الصغيرة في المجتمع أمراً هاماً. وجد مركز العدل من خلال تجربته بأن العديد من الأطفال بما في ذلك الأحداث المدانين يتجاهلون القوانين والعقوبات المختلفة المترتبة عليها، لذلك قام مركز العدل بتصميم برنامج توعية شامل يستهدف الأطفال وأسرهم بالإضافة إلى الشخصيات الرئيسية التي تتفاعل مع الأطفال في حياتهم اليومية. تمكن مركز العدل خلال الفترة ٢٠١٨ –٢٠٢٠ من الوصول إلى ما يقارب ٣٣٠٠٠ طفل ومراهق عبر الأردن وتعزيز وعيهم حول العديد من الموضوعات كحقوق الطفل وآليات الحماية من التنمر والتنمر الالكتروني، بالإضافة إلى الحماية من التحرش والتزويج المبكر. من خلال استخدام ذات المواضيع بآليات معدة للفئات الأكبر عمراً، شارك مركز العدل هذه المعرفة مع أكثر من ٨٥٠٠ من البالغين كأولياء الأمور والمعلمين، من أجل تزويد البالغين في حياة الأطفال بالأدوات اللازمة لحمايتهم.
من خلال مساعدة الأطفال والمراهقين، يسعى مركز العدل إلى إعادة تشكيل قصتهم وتوفير التوجيه اللازم حول المسارات الواجب اتباعها بالإضافة إلى التدخل المباشر عند ظهور المخاطر والحاجة من أجل الوصول إلى مستقبل أكثر إشراقاً.
تأخذ الأرقام دوراً هاماً في تقدير ومراقبة جهود العمل والخدمات المقدمة، إلا أنها لا تقدم سوى صورة محدودة حول التأثير الحقيقي والتغيير طويل المدى والذي يؤثر على حياة العديد من الأفراد.
يقوم مركز العدل من خلال الخدمات التي يقدمها بتمكين الأطفال ضحايا سوء المعاملة من طلب المساعدة ورفع وعيهم بحقوقهم وواجباتهم، كما يوفر لأولياء الأمور ومقدمي الرعاية والمعلمين الأدوات اللازمة لحماية الطفل على معيار المصلحة الفضلى للطفل.
“اعتدت أن أختبئ لتناول غذائي خوفاُ من قيام الأطفال الأخرين بضربي وسرقة طعامي، الآن أنا قوي مثل الآخرين ولا أحد يستطيع ضربي”
خلال الفترة ٢٠١٨ –٢٠٢٠ قام أكثر من ١٠٠٠٠ طفل مثل رامي تم الوصول إليهم من خلال فعاليات التوعية بالتوقيع على تعهد يلتزمون فيه بعدم التنمر على الآخرين وإبلاغ المعلمين والأشخاص البالغين في حياتهم في حال التعرض لأي سوء معاملة أو تنمر في المدرسة والشارع. من خلال عمله، لاحظ مركز العدل بأن العديد من المستفيدين الأصغر سناً والذين يواجهون تهماً جنائية كانوا متنمرين أو ضحايا تنمر في الماضي، وبالتالي فإن إبلاغ أولياء الأمور والمعلمين ساهم في اكتشاف حالات التنمر واتخاذ التدابير المناسبة مما يساهم على المدى البعيد في الحد من الجريمة. يقدم مركز العدل أيضاً تدريباً متخصصاً للأشخاص المعنيين حول آليات الإحالة والإبلاغ عند الاشتباه في حالات سوء معاملة الأطفال أو التحرش بهم.
بما يتعلق بالخدمات القانونية المقدمة للفئات الأصغر عمراً، يظهر تأثير الخدمات الحقيقي من خلال عرض القصص وكيف ساهم مركز العدل في إعادة كتابتها.
بعد أن أمضى سامي ٩ سنوات في دار الأيتام قام مركز العدل بلم شمله مع والده الذي تمكن أخيراً من اصطحابه إلى المنزل. في الأردن، يوضع الأطفال المولودين خارج إطار الزواج تحت وصاية وزارة التنمية الاجتماعية على اعتبار ان الوالدان غير مؤهلان أو قادران على رعاية الطفل. وقد يكون هذا هو الوضع في بعض الحالات، إلا أن مصلحة الطفل الفضلى تضيع أحياناً بين الإجراءات واللوائح القانونية المعقدة، لذلك ندرك في مركز العدل الثغرات في الأنظمة غير المكتملة ونتخذ الإجراءات اللازمة لتصحيحها.
بالنسبة إلى محمود وعمر التوأمان البالغان ١٤ عاماً، كان تدخل مركز العدل يعني حكماً بالبراءة وإنقاذهم من قضاء سنوات في مركز تربية وتأهيل الأحداث. في ظل عدم وجود نظام شامل يحدد العقوبات البديلة بشكل واضح، غالباً ما يجد الأطفال الذين يقضون وقتاً في مراكز الأحداث صعوبة في إعادة اندماجهم في المجتمع مما يزيد من احتمالية العود الجرمي واستمراره خلال حياتهم.
في حالة لينا، لم يساعدها مركز العدل فقط في طلاقها من زوجها الذي اعتاد تعنيفها وإساءة معاملتها بل تحصل لها أيضاً على تعويض مالي مكنها من فتح مشروعها التجاري الخاص. غالباً ما يدفع الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة العائلات إلى تزويج بناتهن في سن مبكرة، وبالتالي فإن حصول لينا على مصدر دخل خاص ساهم في استقلالها المادي وتمكنها من إعالة نفسها.
بعد ١٧ عاماً من القلق المستمر والاختفاء خوفاً من توقيفه واعتقاله من قبل الشرطة، تم إحالة قضية خالد إلى مركز العدل. لم تستخدم والدة خالد اسمها الرسمي عند تسجيل عقد زواجها كما غادر والده بعد حملها بفترة وجيزة، وبالتالي مع عدم وجود وسيلة لإثبات عقد الزواج أو تصحيحه أو إثبات أبوة الطفل، لم تقم والدة خالد بتسجيله كمواطن أردني. ساعد مركز العدل خالد في إثبات عقد الزواج وإصدار شهادة ميلاد رسمية مما مكنه الآن من الحصول على عمل بعقد دائم بالإضافة إلى الالتحاق بمدرسة مهنية. تؤثر قضايا التوثيقات على الأردنيين وغير الأردنيين على حد سواء، والنتيجة ذاتها: حرمان الأطفال من حقوقهم لأنهم غير مدرجون في النظام.
في قضية أحمد، كان تدخل مركز العدل لاحقاً لصدور قرار من القاضي بالسجن لمدة ٥ سنوات. كام فريق المركز باستئناف قرار المحكمة بحجة عدم قبول أقوال أحمد في المحكمة حيث تم استجوابه دون حضور مراقب السلوك أو ولي أمره، وبالتالي قام القاضي بإلغاء الحكم وعاد أحمد إلى مدرسته. غالباً ما لا تفرق الملاحقات القضائية في قضايا أمن الدولة كقضايا الإرهاب والمخدرات، بين الأحداث والبالغين. تدخل مركز العدل لم يعيد حرية طفل فحسب بل سجل سابقة في التقاضي الاستراتيجي.
لا تختلف هذه القصص عن قصص آلاف الأطفال الآخرين الذين ساعدهم مركز العدل. إن الحماية والتمكين القانوني للأطفال والمراهقين أساسيان لبناء مجتمع يخضع في المواطنون للمساءلة، حيث يقدم مركز العدل قصصاً مستقبلية بديلة للأطفال الضعفاء في محاولة لتحقيق مجتمع عادل ويسوده القانون.
نؤمن في مركز العدل بأن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتحقق من قبل أي منظمة بمفردها، لذلك عملنا على مدار أكثر من ١٠ سنوات بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني الأخرى من خلال التعاون مع شبكة الشراكات المختلفة في إطلاق حملات العدالة المجتمعية بالإضافة إلى تقديم الخبرة اللازمة لتعزيز قدرات جهود المجتمع المدني من منظور قانوني.
يقدم مركز العدل خدماته كجزء من شبكة دعم الأطفال فاقدي السند الأسري في الأردن، حيث تعمل جهات عديدة في المجتمع المدني لمساعدة الأطفال المولودين خارج إطار الزواج والأيتام. من خلال الشراكات الفاعلة ونظام الإحالة يستطيع مركز العدل تحديد اتجاهات العمل وإنشاء حلقة أمان للأطفال تعتمد على الجهات الفاعلة المجتمع. كما يشارك مركز العدل كجزء من ائتلاف أبناء الأردنيات والذي يدعو إلى المساواة في الحقوق الممنوحة للأطفال من أمهات أردنيات الجنسية وآباء أجانب (لم يتم منحهم الحق في الجنسية الأردنية). كما يقدم مركز العدل أنشطة التوعية القانونية المختلفة في المدارس والجامعات ومراكز الشباب من أجل نشر الوعي القانوني حول حماية الطفل وحقوقه الأساسية، وتوسيع حلقة أمان الأطفال وتعزيزها.
يعد إشراك ومشاركة المؤسسات الحكومية والعامة أمراً هاماً من أجل تحقيق التغيير المستدام على المدى الطويل، لذلك أقام مركز العدل شراكات قوية مع العديد من أصحاب المصلحة لبناء نظام قانوني للفئات المستضعفة فعال، شامل وخاضع للمساءلة.
يبذل مركز العدل جهداً كبيراً في تطوير وتعزيز قضاء الأطفال والأحداث في الأردن. كعضو في لجنة صياغة قانون حقوق الطفل يعمل المركز جاهداً من أجل سن قانون حقوق الطفل واعتماده رسمياً، من خلال تقديم المقترحات التشريعية والتوصيات لإصدار قانون يصب في مصلحة الطفل الفضلى كأولوية أساسية. كما يضاعف مركز العدل من جهوده في لجنة قانون عمل الأطفال من أجل الدعوة إلى تشريع قانون يحد من عمالة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ١٦ عاماً، وينظم الحقوق والالتزامات للفئات العمرية ١٦-١٨ عاماً. في الأردن سجل ما يقارب ٧٦٠٠٠ طفل عامل.
على الصعيد الدولي، يقدم مركز العدل وبشكل دوري تقارير الظل إلى لجنة حقوق الطفل، مما يساهم في الضغط من أجل التغيير من خلال المجتمع الدولي.
بالإضافة إلى جهود العمل التشريعي، يعمل مركز العدل على الحد من الممارسات الثقافية الضارة بالأطفال كالتزويج المبكر، حيث تستدعي الطبيعة المعقدة للتزويج المبكر اتباع نهج شامل يبدأ من الدعوة إلى تشريع قانوني يحد من التساهل في منح تراخيص تزويج الأطفال دون ١٨ عاماً.
يتصدر تعزيز النظام الجنائي للأحداث جدول أعمال مركز العدل في إطار مشاريع عدالة الأحداث، حيث ينظم المركز تدريباً شاملاً لشرطة الأحداث حول حقوق الطفل وحمايته بالشراكة مع وزارة التنمية الاجتماعية. ومن خلال هذا التعاون يساهم مركز العدل في بناء قدرات الأخصائيين الاجتماعيين والذي تعد التقارير والتوصيات التي يصدرونها مرجعاً أساسياً في قضايا الأحداث. بالإضافة إلى ذلك؛ يعد مركز العدل أول منظمة وطنية غير حكومية لديها موظفين بشكل دائم في مراكز احتجاز الأحداث، الأمر الذي ساعد المركز في إعداد وتطوير استراتيجية ملموسة لتعزيز السياسات والممارسات داخل المراكز، وتكرار الخبرات ونقلها إلى المراكز الأخرى.
من خلال اعتماد نهج شامل يبدأ من القاعدة إلى القمة، يعتمد مركز العدل على الفهم المتعمق للسياق القانوني لغايات التأثير وبشكل ملموس على القرارات طويلة الأمد والتي تهدف إلى حماية الأطفال وفقاً لمصلحتهم الفضلى.