" دون مساعدتكم، لبقيت في السجن لبقية حياتي" – هيفاء، مستفيدة
على مدار أكثر من ١٣ عاماً من تقديم خدمات المساعدة القانونية، تمثل النساء ما يقارب ٧٠٪ من مجموع المستفيدين من الخدمات. يؤمن مركز العدل بأن الاحتياجات القانونية للمرأة في الأردن لا تزال وإلى حد كبير غير مستوفاة، حيث تتردد النساء عموماً في طلب المساعدة من محامٍ خوفاً من العار المرتبط بالأعراف الثقافية والعادات الاجتماعية، ويتفاقم هذا بالتزامن مع ضعفهن الاقتصادي وافتقارهن إلى الاستقلال المالي وطرق تحمل تكاليف التقاضي في حين تبلغ نسبة البطالة بين الإناث في الأردن ما يقارب ٣٣٪. يهتم النظام القانوني والقضائي الأردني بمحاولة حل الخلافات الأسرية ودياً وبذل جهود الإصلاح بين أطراف النزاع الأسري حفاظاً على وحدة الأسرة، الأمر الذي قد يؤدي إلى الضغط وبشدة على المرأة في حال عدم توفير الإرشاد القانوني وضمان الموافقة المستنيرة للمرأة. إن الافتقار إلى المعرفة القانونية والخوف من نظام العدالة تعد من العوامل الإضافية التي تدفع المرأة إلى تجنب المطالبة بحقوقها والتنازل عنها، مما يؤدي إلى خلق حلقة متصلة ومستمرة من التهميش والتمييز من جيل إلى آخر، تكون النساء وبمختلف الأعمار والجنسيات الضحية الأولى فيها.
في غياب التمكين القانوني، تكون النساء أكثر عرضة للعنف والتمييز. كما حدث في حالة هيفاء، حيث أمضت ١٥ يوماً بالتوقيف الإداري وذلك لرفضها العودة إلى منزل والدها بعد وفاة زوجها. حيث تجبر الأعراف الاجتماعية والثقافية المرأة في الأردن على العيش داخل منزل ولي الأمر الذكر (الأب، الزوج، الأخ.. الخ)، وعندما قامت هيفاء بتقديم شكوى لدى إدارة حماية الأسرة لتعرضها للتهديد من والدها بجلبها إلى منزله بالقوة، وضعت في السجن حماية لها. لم تكن هيفاء قادرة على استعادة حريتها إلا بعد تدخل فريق المساعدة القانونية من مركز العدل والذي علم عن قضيتها عن طريق الصدفة. لو بقيت هيفاء مدة أطول في التوقيف الإداري لكانت على الأرجح ستفقد وظيفتها ومنزلها وحضانة أطفالها، ناهيك عن الصدمة النفسية والعاطفية التي سببتها لها هذه التجربة. ومن هنا نطرح السؤال التالي: كم عدد النساء غير القادرات على الوصول إلى المساعدة التي يحتجنها وما زلن يعشن في ظروف سوء المعاملة أو الحرمان من الحقوق والتمييز؟
خلال الفترة ٢٠١٨ – ٢٠٢٠، ساعد مركز العدل ما يقارب ١٣٥٠٠ امرأة من خلال تقديم خدمات الاستشارة القانونية والتمثيل أمام المحاكم، من بينهم ٧٤٪ امرأة أردنية و١٩٪ سورية. وعلى الرغم من أن تلك القضايا قد تكون مختلفة عن قضية هيفاء، إلا أنها تحمل ذات القدر من الأهمية والتأثير على حياة كل واحدة منهن. تظهر تجربة مركز العدل على مدار الأعوام بأن معظم القضايا القانونية التي تواجهها المرأة في الأردن تتعلق بمشاكل الأسرة، حيث أن ٣٨٪ من المستفيدات بين الفترة ٢٠١٨-٢٠٢٠ طلبن المساعدة القانونية في تحصيل النفقات، و٢٤٪ منهن احتجن المساعدة في الحصول على الطلاق. استطاع مركز العدل عبر أنشطة التوعية القانونية الوصول إلى ما يقارب ٣٤٥٠٠ امرأة خلال الفترة ٢٠١٨-٢٠٢٠، تلقى ٢٧٪ منهن توعية قانونية حول الحماية من الجرائم الالكترونية كالابتزاز والتهديد، وطلب ١٤٪ أي ما يقارب٥٠٠٠ امرأة المشاركة في جلسات توعية حول الحماية من العنف الأسري، الأمر الذي يدل على أن النساء غالباً ما يقعن ضحايا سوء المعاملة والتمييز داخل الأسرة والدوائر المقربة.
تأخذ الأرقام دوراً هاماً في تقدير ومراقبة جهود العمل والخدمات المقدمة، إلا أنها لا تقدم سوى صورة محدودة حول التأثير الحقيقي والتغيير طويل المدى والذي يؤثر على حياة العديد من الأفراد.
من خلال التمكين القانوني، تتلقى النساء ضحايا سوء المعاملة الأدوات اللازمة للتغلب على العنف ووقف الاعتداء، وتحصل الأم التي حرمت من أطفالها لسنوات على الدعم القانوني الذي يمكنها من احتضانهم عند النوم، وتعطى للفتاة التي كانت في طريقها للفصل من مدرستها وتزويجها مبكراً فرصة أخرى لإكمال تعليمها وبناء مستقبلها، وتكون الموظفة التي اعتادت الخوف قادرة على حماية نفسها قانونياً من التمييز والاستغلال في بيئة العمل.
في مركز العدل، استطعنا التأثير في حياة آلاف النساء من خلال بناء وتعزيز أسلوب حياة يمكنهن من التعامل مع مشاكلهن القانونية. حيث يعزز المجتمع من سلطة الرجل في بيئة صنع القرار مع وجود ٧٥٪ من القضاة الذكور في المحاكم المدنية والإدارية و ١٠٠٪ في المحاكم الشرعية، يساعد مركز العدل النساء على كسر حاجز الخوف تجاه الإجراءات القانونية والمحاكم.
“شعرت بالقوة والتمكين حينما وقفت أمام القاضي بمفردي وقمت بعرض قضيتي، أخبرني القاضي بأنني تحصلت على حكم إيجابي قد لا يتمكن العديد من المحامين من الحصول عليه، أحسست بالامتنان أيضاً لمركز العدل لأن تلك الفتاة التي حرمت من تعليمها وتعرضت للإيذاء المستمر لسنوات لم تكن قادرة على تحقيق هذا النجاح لو لم تطرق باب مركز العدل”
تم تزويج نسرين في سن الخامسة عشرة وتعرضت حينها لكافة أشكال العنف من قبل زوجها الذي لم يقم بحرمانها من تعليمها فحسب، بل عزلها بشكل كامل عن عائلتها. عانت نسرين وأطفالها الثلاثة من التعنيف وسوء المعاملة المستمر دون أي دعم من العائلة ودون أي مصدر دخل عدا عن زوجها. تمكن مركز العدل وبطلب منها من تطليقها من زوجها المسيء ووضع الأطفال في حضانتها. بعد مساعدة مركز العدل شعرت نسرين بالقوة الكافية التي مكنتها من رفع قضية للمطالبة بالمهر وبمفردها وحصلت على حكم قضائي ناجح.
” اليوم لدي عمل ومصدر دخل خاص يمكنني من إعالة نفسي وأولادي مالياً”.
مثلما حصل مع نسرين، ذكرت ٨٥٪ من النساء اللاتي قام مركز العدل بتمثيلهن في المحكمة ممن شملهن الاستطلاع بأن تدخل مركز العدل كان له تأثير إيجابي كبير في حياتهن، على المستوى الاجتماعي والنفسي وحتى الاقتصادي. بما تعززه هذه المعرفة من قوة، يواصل مركز العدل تقديم خدماته المختلفة من أجل بناء مجتمع لا تخشى النساء فيه من إسماع أصواتهن، ونساء قادرات على اتخاذ الإجراءات المناسبة والمطالبة بحقوقهن عند انتهاكها. يساهم تمكين المرأة قانونياً في كسر حلقة الإساءة مما يؤثر على نساء اليوم والأجيال القادمة.
” أذهب إلى العمل كل يوم وأنا أعلم بأنني سألعب دور في تغيير حياة الكثير من الأفراد”. – محمود مغربي، مدير مديرية المساعدة القانونية
نؤمن في مركز العدل بأن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتحقق من قبل أي منظمة بمفردها، لذلك عملنا على مدار أكثر من ١٠ سنوات بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني الأخرى من خلال التعاون مع شبكة الشراكات المختلفة في إطلاق حملات العدالة المجتمعية بالإضافة إلى تقديم الخبرة اللازمة لتعزيز قدرات جهود المجتمع المدني من منظور قانوني.
عندما يتعلق الأمر بتمكين المرأة، يلعب المجتمع المدني دوراً نشطاً في الأردن، ويشارك مركز العدل باستمرار الحركات والأنشطة الهادفة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. من بين العديد من أوجه التعاون، شارك مركز العدل في حملة رواد لإنهاء العنف ضد المرأة، حيث يقوم فريق مركز العدل بتعبئة مجتمع رواد من خلال تقديم جلسات توعية قانونية حول الحماية من العنف الأسري بالإضافة إلى تقديم خدمات المساعدة القانونية للنساء عند الحاجة. كما لعب مركز العدل دوراً رئيسياً عام ٢٠٢٠ في حملة المعلمين على الصعيد الوطني (قم مع المعلم)، والتي كانت بشكل أساسي بقيادة معلمات طالبن بظروف عمل لائق، حيث نشر مركز العدل طوال فترة الحملة معلومات قانونية حول قانون العمل وحقوق المعلمين بالإضافة إلى توفير خدمات الخط الساخن لحالات الاحتجاز والتوقيف داخل المراكز الأمنية لمساعدة أي معلم يتم القبض عليه للمشاركة في المظاهرات العامة. كما يدعم مركز العدل الشركاء من خلال الدراسات والبحوث التحليلية، ففي إطار الجهود المشتركة بين مركز العدل ومنظمة إنقاذ الطفل لمكافحة التزويج المبكر/ تزويج الأطفال بين اللاجئين السوريين والمجتمعات المستضيفة، يجري مركز العدل تحليلاً للممارسات القانونية بين القضاة لتحديد الأسباب الجذرية للمشكلة ومعالجتها بشكل استراتيجي.
يعد مركز العدل خبيراً قانونياً لكل من يرغب في إحداث تغيير من خلال تيسير موارده لدعم الجهات الفاعلة الأخرى في المجتمع المدني في جهد مشترك لتحقيق وتعزيز تمكين المرأة.
يعد إشراك ومشاركة المؤسسات الحكومية والعامة أمراً هاماً من أجل تحقيق التغيير المستدام على المدى الطويل، لذلك أقام مركز العدل شراكات قوية مع العديد من أصحاب المصلحة لبناء نظام قانوني للفئات المستضعفة فعال، شامل وخاضع للمساءلة.
يعد الوصول إلى العدالة جزءاً أساسي من تمتع المرأة بحقوقها في جميع الجوانب، سواء فيما يتعلق بالحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي أو حماية حقوقها المنبثقة عن الزواج والمطالبة بها أو حتى الوصول إلى التمكين الاقتصادي. يعمل مركز العدل وبشكل مستمر مع المؤسسات الوطنية من أجل تعزيز الجهود المبذولة في وصول المرأة إلى العدالة من خلال إصدار أوراق السياسات وتقديم المقترحات التشريعية وإدانة الممارسات القائمة على التمييز وبناء قدرات الموظفين في المؤسسات العامة. من بين العديد من التدخلات، ساهم مركز العدل في قضية إعسار المدين في الأردن وتقديم الحلول لمعالجة مشكلة النساء المحكوم عليهن بالسجن لعدم قدرتهن على سداد الدين، أو كفالة المدين (والذي ما يكون عادة أحد الأقارب من الذكور). بالإضافة إلى مساهمة المركز في قضية النساء المهجورات ومعالجة الوضع القانوني لهن، حيث أنهن بموجب القانون غير متزوجات وغير مطلقات ولا يمكنهن الاستفادة من الحقوق التي يتمتع بها أي من هذين الوضعين القانونيين، ووفقاً للنتائج تواصل مركز العدل مع الهيئات الرسمية وغير الرسمية وحصل على التزامها بتقديم الدعم والخدمات اللازمة للنساء المهجورات.
يستطيع اليوم مركز العدل اعتماداً على نتائج عمله من إجراء توثيق متعمق لتحديات المرأة في الوصول إلى نظام العدالة في الأردن، وبالتالي تقديم توصيات محددة السياق وملموسة، كتقديم توصيات لأصحاب المصلحة داخل نظام العدالة بشأن جعل المحاكم الشرعية صديقة للمرأة، مع الأخذ بعين الاعتبار انعدام أو قلة عدد الموظفات الإناث داخل هذه المحاكم، وعدم جاهزيتها لاستقبال الأطفال في حين ما تجبر النساء عادة على اصطحاب أطفالهن.
علاوة على ذلك، يسعى مركز العدل إلى تعزيز قدرة الموظفين الحكوميين، حيث يعقد بانتظام دورات تدريبية بالتعاون مع إدارة حماية الأسرة والأحداث للتدريب حول الممارسات القانونية الفضلى للنساء المعفنات، بالإضافة إلى ضباط الشرطة النسائية على وجه التحديد للتدريب حول أفضل الممارسات للنساء المحتجزات بهدف القضاء على التعذيب أو أي نوع من سوء المعاملة داخل السجون.
كمدافع عن حقوق المرأة، يشارك مركز العدل معرفته وخبرته مع صانعي القرار على المستوى الوطني من أجل بناء مجتمع يحصلن به النساء الضعيفات على الدعم والتمكين ويتمتعن بالحماية.