التمكين القانوني لظروف عمل لائقة

ظروف عمل لائقة

في هذا القسم

تمكين قانوني لظروف عمل لائقة

"كسرت ساقي من إصابة عمل واضطررت إلى الركض من محكمة إلى أخرى حتى يقوم صاحب العمل بدفع أجري وأتمكن من إطعام أطفالي" – نضال.

من خلال سنوات الخبرة العديدة في قضايا قانون العمل، وجد مركز العدل أن توفير ظروف عمل لائقة يعد مسؤولية مشتركة على الدولة وأصحاب العمل، إلا أنه لا يمكن تحقيق ظروف عمل لائق دون تمكين العمال قانونياً. بالنسبة للعمال، يعني التمكين القانوني امتلاك الأدوات القانونية اللازمة للمطالبة بحقوقهم بدلاً من السكوت بسبب الخوف أو نقص المعرفة بالقانون أو عدم الثقة بالنظام. وهذا يعني تمكين العمال من حماية حقوقهم وأنفسهم من أن يكونوا عرضة للاستغلال من خلال الضغط على أصحاب العمل من أجل الوفاء بالتزاماتهم بالاستعانة بالأدوات القانونية. وبالتالي الضغط على صناع القرار لسن قوانين وأنظمة تضمن حماية حقوق العمال وعدم انتهاكها أو تقييدها.

 

نضال أب لثلاثة أطفال، كسرت قدمه نتيجة خلل في باب المصعد داخل شركة التنظيف التي كان يعمل بها، الأمر الذي أضطره التوقف عن العمل بسبب إصابته. لم ترفق الشركة فقط دفع تكاليف العلاج والتعويضات، بل امتنعت عن دفع أجر نضال المستحق لمدة شهرين. أحيلت قضية نضال إلى مركز العدل بعد بدء الإجراءات القانونية، تمكن المركز من تحصيل كافة حقوق نضال.

 

“لولا مركز العدل لما تمكنت من علاج قدمي والعودة إلى العمل، كان أطفالي سينامون وهم جائعون”.

 

مثل معظم القضايا القانونية، لا تؤثر مشاكل قانون العمل على العامل الذي تنتهك حقوقه فحسب، بل تؤثر على الأسرة واستقرارها المالي والذي يعتمد في أغلب الأوقات على معيل ومصدر داخل واحد. وإدراكاً للحاجة الماسة إلى حماية استقرار الأسر وحمايتها من الوقوع في المزيد من الفقر والظروف الصعبة الناتجة عنه، ساعد مركز العدل بين ٢٠١٨-٢٠٢٠ أكثر من ٦٥٠ عاملاً في المطالبة بحقوقهم العمالية من خلال الخدمات القانونية.

 

ومع ذلك، غالباً ما يخشى العمال تقديم شكوى أو رفع قضيتهم إلى المحكمة خوفاً من أصحاب العمل وما قد يصل إليه الأمر كفصلهم من العمل أو صعوبة العثور على عمل في مكان آخر. بالإضافة إلى ذلك، لا يستطيع العديد من العمال غير الأردنيين الذين لا يملكون تصريح عمل، أو يملكون تصريح عمل منتهي المطالبة بحقوقهم خوفاً من وضعهم غير القانوني، وبالتالي عادة ما يستغل أصحاب العمل هذا الضعف للتهرب من الوفاء بالتزاماتهم تجاه العامل.

 

إدراكاً لهذا الواقع، يوفر مركز العدل أنشطة مكثفة من أجل تثقيف توعية العمال وأصحاب العمل على حد سواء حول حقوقهم وواجباتهم. منذ عام ٢٠١٨ قدم المركز ٢٤٠ جلسة توعية وصل من خلالها إلى ٢٧٥ صاحب عمل وأكثر من ٦٣٠٠٠ عامل في مختلف القطاعات كالزراعة البناء الخدمات والأعمال المنزلية. بالإضافة إلى توفير جلسات توعية مخصصة لحماية المرأة في أماكن العمل. في عام ٢٠١٩ أطلق مركز العدل حملة الكترونية لمدة ٧ أيام لتعريف المجتمع بأهمية تحقيق ظروف عمل لائق، والحقوق والواجبات على العامل وأصحاب العمل وصل من خلالها إلى أكثر من ٧٠٠٠٠٠ مستخدم.

 

“مكنني عملي كمحامي من رؤية حاجة الأفراد إلى التوعية القانونية وزيادة معرفتهم بالقانون، وهذا ما دفعني للعمل كمدرب توعية في مركز العدل.” – علي الصليبي، مدرب توعية.

 

يواصل مركز العدل النمو وتطوير خدماته، وتقديم حلول الوساطة واللجوء إلى طرق حل النزاعات البديلة للقضايا العمالية، بالإضافة إلى تصميم نظام مركزي يتعاون محامو المركز من خلاله بشأن جميع القضايا العمالية المحالة.

أكثر من مجرد أرقام: تأثير يستحق أن يروى

تأخذ الأرقام دوراً هاماً في تقدير ومراقبة جهود العمل والخدمات المقدمة، إلا أنها لا تقدم سوى صورة محدودة حول التأثير الحقيقي والتغيير طويل المدى والذي يؤثر على حياة العديد من الأفراد.

 

من خلال تجربة مركز العدل، تؤثر حماية حقوق العمال وبشكل ملموس ومباشر على استقرار الأفراد والمجتمعات. حماية الحقوق العمالية تعني محاربة الثقافة التي تتسامح مع سوء معاملة الضعفاء وظلمهم.

 

أحمد عامل أردني، طرد بشكل مفاجئ من وظيفته في جمع القمامة. قدمت الشركة ٨ شكاوى ضد أحمد دون وجود دليل أو شهود، وذلك حتى تتجنب المسؤولية القانونية عن الفصل التعسفي. قبل فصله عمل أحمد براتب ٣٠٠ دينار شهرياً ولم يحصل على أي يوم إجازة. تحمل أحمد على مدار سنوات سوء المعاملة من أصحاب العمل والتهديدات المستمرة بالفصل والمضايقات اللفظية.

 

“كانوا يحرموننا من استراحة الإفطار…كانوا يشتمونني ويطلقون عليّ “العبد” بسبب لون بشرتي الداكن، وهددوني باستمرار بتوجيه اتهامات ضدي حول أفعال لم أقم بها”.

 

بعد طلب المساعدة من مركز العدل، حصل أحمد على تعويض عن الفصل التعسفي ورد كافة الشكاوى المقدمة ضده.

 

تعد المخاطر أعلى بالنسبة إلى العمال اللاجئين والمهاجرين في الأردن. غالباً ما يعتاد أولئك الذين لا يمتلكون تصريح عمل على السكوت عن انتهاك حقوقهم العمالية والاستسلام لفجوات نظام غير كامل. غالباً ما تتعرض عاملات المنازل المهاجرات لسوء العاملة والتي قد تصل إلى أفعال تشكل جرائم اتجار بالبشر، كحجز الوثائق الرسمية كجواز السفر والعمل لساعات طويلة والإساءة اللفظية والجسدية. يقبل العمال اللاجئون ظروف العمل القاسية حتى يتمكنوا فقط من إعالة وإطعام أسرهم.

 

“كعامل لاجئ دون تصريح عمل، لم يخطر ببالي أبداً أنني سأتمكن من المطالبة بحقوقي”.

 

لم يتقاضى محمود أجره المستحق لمدة ٣ أشهر لكنه كان يخشى اللجوء لطلب المساعدة. يساعد مركز العدل العمال المهاجرين ليس فقط من أجل تصحيح وضعهم القانوني، بل أيضاً بتوعيتهم بأن عدم امتلاك تصريح عمل لا يحرم العامل من حقوقه العمالية ولا يعفي صاحب العمل من التزاماته بموجب القانون. يشارك مركز العدل في العديد من حملات التوعية التي تستهدف العمال في مختلف القطاعات وتكييف وصياغة رسائلها القانونية للتناسب مع احتياجات الفئة وتحدياتها الخاصة.

 

من خلال التدخل المباشر، يعيد مركز العدل كرامة العمال الذين يتعرضون لسوء المعاملة، ويخلق مجتمعاً متمكناً قانونياً وقادراً على استخدام الأدوات القانونية لمساءلة أصحاب العمل. في مركز العدل نعمل من أجل التغيير الذي نرغب بأن نراه.

معاً، نساهم في تشكيل العدالة

نؤمن في مركز العدل بأن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتحقق من قبل أي منظمة بمفردها، لذلك عملنا على مدار أكثر من ١٠ سنوات بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني الأخرى من خلال التعاون مع شبكة الشراكات المختلفة في إطلاق حملات العدالة المجتمعية بالإضافة إلى تقديم الخبرة اللازمة لتعزيز قدرات جهود المجتمع المدني من منظور قانوني.

 

بهدف تحسين ظروف العمل في الأردن، استثمر مركز العدل وبشكل كبير في بناء القدرات المجتمعية لتعزيز ظروف عمل لائق. تتمثل إحدى مبادرات المركز في وضع ميسر مجتمعي داخل المنظمات المجتمعية الشريكة في كافة محافظات المملكة، لغايات بناء قدرات موظفيها بما يتعلق بمسائل قانون العمل. يساعد الميسر المجتمعي المنظمات الشريكة في تحديد انتهاكات حقوق العمال، ورفع الوعي في المسائل القانونية المتعلقة بقانون العمل والأنظمة التابعة، وإحالة قضايا العمل إلى المحامين المختصين في مركز العدل، مع تمكين الشريك من مواصلة الدور بشكل مستقل.

 

من خلال الشراكة الفاعلة مع منظمات المجتمع المدني التي تستهدف العمال، يدرك مركز العدل المخاطر والتحديات التي تواجه العمال على أرض الواقع. لذلك أطلق المركز حملة “هل تستطيع أن تراهم” لتسليط الضور على الانتهاكات القانونية والتي قد تصل إلى جرائم اتجار بالبشر، بالإضافة إلى تمكين عاملات المنازل على وجه التحديد بالأدوات اللازمة للوصول إلى المساعدة عند الحاجة.

 

يواصل مركز العدل توسيع شبكة شراكته، لضمان عدالة متاحة للجميع.

وضع احتياجات الأفراد على رأس جدول أعمال السياسة

يعمل مركز العدل مع أصحاب المصلحة في مجال العدالة لاقتراح حلول مستدامة من أجل التحديات التي يواجهها العمال في الأردن. يشارك المركز من خلال تقديم أوراق السياسات وعقد ورش عمل واجتماعات تعاونية مع ممثلي الهيئات الحكومية والنقابات العمالية.

 

ساهم مركز العدل في حل التحديات التي تواجه العاملين في قطاع الزراعة وبشكل ملحوظ. لا يشمل قانون العمل القطاع الزراعي والعاملين به، بل يتم تنظيم أحكامه من خلال نظام ملحق لم يتم اعتماده رسمياً. لا يقتصر نهج مركز العدل في محاولة لمعاجلة المشكلة على تقديم توصيات للتعديل التشريعي، بل على القضاء الاستراتيجي أيضاً. من خلال الدفع بالمحكمة بأن القضايا الزراعية يمكن أن تخضع إلى قانون العمل، يخلق مركز العدل سوابق قانونية لحماية حقوق العمال إلى حين اعتماد النظام الداخلي.

 

بالإضافة إلى دوره في حماية العمال المهاجرين خلال حالة الإغلاق في فترة انتشار فيروس كورونا. حيث أصدرت وزارة العمل قراراً بالتنازل عن جميع الغرامات والرسوم المتعلقة بمخالفات العمال المهاجرين حتى يتمكنوا من السفر إلى وطنهم دون الخوف من التعرض للاعتقال. ساعد مركز العدل أكثر من ٣٠٠ عامل في استكمال إجراءاتهم وتأمين عودتهم الآمنة إلى بلادهم.

 

بصفته مدافعاً ملتزماً عن حقوق المستضعفين، يسعى مركز العدل إلى أن يتخذ أصحاب المصلحة في مجال العدالة إجراءات ملموسة من أجل تحقيق ظروف عمل لائقة في الأردن.